يُعد الاستثمار في السندات (Bonds) عنصراً أساسياً في أي محفظة استثمارية متوازنة، إذ تمثل هذه الأداة المالية ديناً تستدينه الحكومات أو الشركات من المستثمرين لتمويل مشاريعها أو عملياتها. عند شراء سند، فإن المستثمر يقرض المال للمُصدر (Issuer) مقابل وعد بالحصول على دفعات فائدة دورية (تسمى الكوبونات) واسترداد المبلغ الأصلي المقترض في نهاية مدة محددة. تتميز السندات بأنها توفر للمستثمر دخلاً ثابتاً نسبياً ومخاطر أقل مقارنة بالأسهم، مما يجعلها ملاذاً آمناً في أوقات تقلبات السوق. لفهم القيمة الكاملة للسند، يجب على المستثمر استيعاب المصطلحات الجوهرية التي تحكم طبيعة هذا العقد. من أهم هذه المصطلحات هو معنى تاريخ الاستحقاق هذا التاريخ يحدد اللحظة الزمنية التي يلتزم فيها المصدر برد القيمة الاسمية (القيمة الأصلية) للسند إلى حامله، وهو يمثل نهاية عمر السند الافتراضي وبداية استرداد رأس المال المستثمر.
أولاً: المكونات الأساسية للسند
لفهم كيفية عمل السندات، يجب إتقان ثلاثة مصطلحات رئيسية:
- القيمة الاسمية (Par Value): هو المبلغ الأصلي الذي يتعهد المصدر برده للمستثمر عند تاريخ الاستحقاق. يُشار إليه أيضاً بقيمة “الوجه”.
- معدل الكوبون (Coupon Rate): هو سعر الفائدة الثابت الذي يدفعه المصدر سنوياً لحامل السند، ويُعبر عنه كنسبة مئوية من القيمة الاسمية.
- تاريخ الاستحقاق (Maturity Date): هو اليوم الذي تنتهي فيه حياة السند ويتم فيه سداد القيمة الاسمية للمستثمر. تتراوح آجال الاستحقاق من قصيرة الأجل (أقل من سنة) إلى طويلة الأجل (30 عاماً أو أكثر).
ثانياً: أنواع السندات الرئيسية
تنقسم السندات حسب الجهة المصدرة لها:
- السندات الحكومية (Government Bonds): تُصدرها الحكومات الوطنية أو المحلية. تُعتبر سندات الخزانة الأمريكية (Treasuries) هي المعيار العالمي للأمان بسبب انخفاض مخاطر التخلف عن السداد (يُشار إليها عادة بأنها خالية من المخاطر).
- سندات الشركات (Corporate Bonds): تُصدرها الشركات لجمع الأموال اللازمة للتوسع أو التشغيل. تحمل هذه السندات مخاطر أعلى من السندات الحكومية، ولكنها عادة ما تقدم معدلات كوبون أعلى لتعويض المستثمر عن هذه المخاطر.
ثالثاً: العلاقة بين سعر السند وسعر الفائدة
تتحرك أسعار السندات في السوق الثانوية بشكل عكسي مع تحركات أسعار الفائدة السائدة في السوق. هذا هو المبدأ الأساسي الذي يجب على متداول السندات فهمه:
- ارتفاع أسعار الفائدة: عندما يرفع البنك المركزي سعر الفائدة، تصبح السندات الجديدة أكثر جاذبية (بمعدلات كوبون أعلى). ونتيجة لذلك، تنخفض أسعار السندات القديمة في السوق الثانوية لجذب المشترين.
- انخفاض أسعار الفائدة: عندما تنخفض أسعار الفائدة، تصبح السندات القديمة ذات معدلات الكوبون الأعلى أكثر قيمة، مما يرفع أسعارها في السوق الثانوية.
رابعاً: تصنيف السندات ومخاطر الائتمان
يتم تقييم جودة السندات من خلال وكالات التصنيف الائتماني (مثل Standard & Poor’s و Moody’s). هذا التصنيف يعكس احتمالية تخلف المصدر عن سداد ديونه:
- الدرجة الاستثمارية (Investment Grade): وهي سندات ذات تصنيف ائتماني عالٍ (عادة ما يكون AAA إلى BBB-) وتعتبر آمنة نسبياً.
- سندات المضاربة / السندات عالية العائد (Junk Bonds / High-Yield Bonds): وهي سندات ذات تصنيف ائتماني منخفض ومخاطر تخلف عن السداد أعلى. لتعويض المستثمر عن هذه المخاطرة، تقدم هذه السندات عادة معدلات كوبون أعلى بكثير.
خامساً: لماذا يجب تضمين السندات في محفظتك؟
لا يهدف الاستثمار في السندات بالضرورة إلى تحقيق النمو الهائل (كما هو الحال في الأسهم)، بل يهدف إلى:
- الحفاظ على رأس المال: توفر السندات مستوى عالياً من الأمان، خاصة الحكومية منها، حيث من شبه المستحيل أن تتخلف الحكومات الكبرى عن السداد.
- التنويع وتقليل المخاطر: تميل السندات إلى التحرك عكسياً أو بشكل مستقل عن الأسهم. عندما تنخفض الأسهم، غالباً ما ترتفع السندات (الملاذ الآمن)، مما يساعد على تخفيف الخسائر الإجمالية للمحفظة.
- توليد دخل ثابت: توفر دفعات الكوبون المنتظمة تدفقاً نقدياً موثوقاً للمستثمرين الباحثين عن دخل ثابت أو المتقاعدين.
خاتمة:
تُعد السندات عنصراً حيوياً في استراتيجية الدخل الثابت. إن فهم آليات تسعيرها، ودور أسعار الفائدة في تحديد قيمتها السوقية، وتقدير مخاطر الائتمان، هو أمر بالغ الأهمية. سواء كنت تسعى للحفاظ على رأس المال أو توليد تدفق نقدي ثابت، فإن السندات توفر التوازن الضروري الذي يكمل عوائد النمو المحتملة من الأسهم، مما يجعلها عنصراً أساسياً في بناء محفظة استثمارية حصيفة ومدروسة.













